التغيير قادم شئتم ذلك أم أبيتم
إن الحديث عن النماء والرخاء في موريتانيا يشبه لحد كبير الحديث عن السراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
لا تنمية مع الفساد والظواهر المختلفة التي ترافقه كالقبلية والعنصرية والحقد الطبقي. واعتبار أن موريتانيا تسير إلى الأمام هي أكبر كذبة أفيونيه خدر بها هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره ، المدجن ، المجهّل، ما يسير إلى الأمام فعلا هم المفسدون، والسياسيين الفاسدين الذين تملكوا ثروات طائلة على حساب الشعب، هؤلاء فعلا هم من تسير بهم سفينة النماء، وللحفاظ على هذه المكانة لابد لهم من شمّاعات، وأكبر شماعة الآن هي الجماعة المطالبة بالتغيير، حيث يتم وصفها بكافة أنواع الأوصاف ونعتها بشتى أصناف النعوت، لكن لا تطمئنوا كثيرا إلى حالكم فالتغيير قادم شئتم أم أبيتم وسيكون عبر طريقين أحلاهما مر بالنسبة لكم.
الطريق الأول هو التغيير السلمي والذي نصبوا إليه جميعا وذلك عبر ابتعاد الجيش عن السلطة، وابتعاد المفسدين عن أموال الشعب التي نهبوها وورثوها مع المناصب لأبنائهم وأقاربهم، هذه الأموال جعلت من متسول الأمس صاحب حظوة ومكانة اليوم دون أن يبذل جهدا، فقط كونه مارس الكثير من الكذب والكثير الكثير من النفاق والتجسس فوصل إلى ما وصل إليه وهو يعرف أنه لا يستحقه، لكنها موريتانيا وكل شيء فيها بالمقلوب.
لذلك إذا أرادت هذه الطغمة الاستمرار في الحياة الكريمة فعليها أن تقبل حقيقة أن التغيير هو الحل لكل مشاكل البلد، ومشاكلهم هم الشخصية، وكذلك خوفهم على ما يملكون من ثروات مشبوهة وغير مشبوهة، إضافة إلى المكانة التي تحصلوا عليها بالوسائل الآنفة الذكر، وأخرى يعرفها الجميع.
وعليهم أيضا النظر بعين العقل إلى ما دار ويدور في البلدان التي حولهم، وكيف حصل فيها التغيير، ويأخذوا العبرة من ذلك.
الطريق الثاني، وهو التغيير عبر انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية تقود قد إلى انقلاب عسكري أو حرب أهلية، أعرف جيدا أن هذه المصطلحات مرعبة بالنسبة لكم، لكنها قد تكون واقعا لابد منه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وسيكون عليكم جميعا التعايش مع ذلك الواقع شئتم ام أبيتم، إنه واقع سيئ ومكروه وعواقبه ليست جيدة إلا انه ربما سيكون هو الملاذ الأخير لإنشاء دولة العدل والمساواة لا دولة القبائل والجنرالات، عندها سيكون القانون هو الفيصل بين الجميع، وتكون السلطة في يد الشعب لا في تحت قبضة الثلة التي ذكرنا سابقا، وسيكون على تلك الثلة الهروب من البلد أو الانصياع إلى النظام الجديد والرضا بالمحاسبة والتي لن يكون باستطاعتهم تحمل عواقبها.
في بلدان عديدة حول العالم منها بات بعضها اليوم دولا قوية كفرنسا التي يعتبرها نظام ولد الغزواني حليفة، لم تؤسس فيها دولة الحقوق والمساواة إلا بعد ثورات شعبية اختتمت بتعليق الفاسدين على المشانق في ميادين عامة حتى يكونوا عبرة للأجيال القادمة من الحكام، ويدرك كل شخص أن القانون والعدالة هي الفيصل، وأن على الجميع الانصياع لقوانين الدولة سواء كانوا رؤساء، أم وزراء، أم نبلا، أم من العامة.
والذين يخافون من الثورة في موريتانيا هناك سؤال عليهم طرحه على أنفسهم، ألم تشهد موريتانيا انقلابات دموية كان آخرها انقلاب فرسان التغيير الدموي عام 2003؟ والجواب طبعا معروف بالنسبة لهم وهو مربوط بما تسوقه الجماعة التي قادت الانقلاب أو الجماعة المنتصرة، على أن الأمور تمت السيطرة عليها وأن الطرف الخاسر في المعركة هو طرف دموي قاتل، لكن سرعان ما يتم تكريم الطرف الدموي ويشرع له حزب سياسي، أو يصير من رجال المال والأعمال، وكأن لا ماضي دموي لهم، مستخدمين في ذلك دعاية إعلامية تقليدية وغير تقليدية، بالإضافة إلى الدعاية الأكثر أهمية والتي تقودها الداخلية وأعوانها والمتمثلة في “رجل الشارع” هذا المصطلح الذكوري يتساوى فيها الجميع ممن يسوغون نظرية من هو الدموي ومن هو العنصري ومن هو المخرب ويدخلون ذلك في كل بيت من أجل استتباب الوضع للثلة التي قد تتحول في مرحلة ما إلى عصابة حاكمة.
خلاصته أنه علينا أن نقوي ذاكرتنا جيدا، وان نعرف أننا سنبقى عالقين في الماضي إلى لم يتغير الوضع بأقصى سرعة، وعلينا أن نعرف ان عربة الحمار التي تجلب المياه لأهل الهامش منذ الاستقلال إلى اليوم، إذا لم يتم القضاء عليها عبر إعطاء الحمير حقوقهم كحيوانات تستحق العيش الكريم على غرار باقي المخلوقات، فإن أهل الهامش سيخرجون يوما لتغيير هذه الوضعية، لأن الانسان قد يصل به الحال إلى الدفاع عن كرامته لا عيشه.
أحمد محمد سالم كركوب
ابروكسل 2024