تسلُّق الجدار..
عرفت سيكولوجية الإنسان الموريتاني ثقافة التسلق وأحبها لا بل جعل منها أداة للوصول إلى مآربه سواء كانت تلك المآرب تقود إلى الخير أم الشر، المهم بالنسبة له هو الوصول إلى الهدف عبر هذه الثقافة .
لن نظلم أبنائنا الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة وتسلقوا جدار الحدود الآمريكية المكسيكية ربما ما فعلوه هو الصواب ولو أتيحت لأحدهم فرصة الذهاب ألف مرة لسافر وقطع تلك المسافات من أجل تسلق ذلك الجدار حتى يصل إلى بلاد العم سام التي لا يظلم فيها أحد كما كانت بلاد الحبشة خلال السنوات الأولى من بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نعم سيهاجر لأنه وببساطة لم تتح له فرصة عيش كريم وآمنة في بلده ولم يحظى بفرصة تسلق لها قيمة في بلده على غرار المتنفذين وأبنائهم الذين أتيحت لهم كل الفرص من توظيف والحصول على المشاريع والصفقات التي أمنوا بها مستقبلهم بل وحتى مستقبل أبنائهم وأحفادهم .
لن نلوم شبابنا الذي هاجر ويهاجر وحاول ويحاول تسلق الجدار لأننا نعرف بلدنا حق المعرفة ونعرف أن الأنظمة المتعاقبة جرته إلى طرق مسدودة من التفقير والتجويع وانتشار البطالة وتهبيط للمعنويات.. هذه الأنظمة لاتزال إلى اليوم توهم الشعب أن البلد يعيش في رخاء، نعم البلد لديه مقدرات هائلة ويمكن أن يعيش شعبه في رخاء، لكن ذلك الرخاء غير موجود إلا في جمهورية تفرغ زينة المجيدة أما بقية الشعب فكتب عليه أن يعيش البؤس والحرمان.
البلد لايعيش رخاء ولا شيء يلوح في الأفق القريب أو البعيد يبعث للأمل لذلك بادر الشباب إلى الهجرة، وهذه الهجرة قد تكون كارثية على بلد من بلدان العالم الثالث كموريتانيا غالبية سكانه من الشباب هو بحاجة إليهم في شتى المجالات، كما أن الأنظمة والتي آخرها نظام ولد الغزواني يبدوا أنها لم تستشعر الخطر لحد الآن من خلال تدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان، لأن الشباب فعلا قرر وصمم على الهجرة ، حيث لا يخلوا حديث ولا نقاش شبابي هذه الأيام من رحلات الهجرة وعبور الحدود وتسلك الجدران الحدودية، الفكرة بالأساس بالنسبة لهم لم تعد تدور حول اقتناء سيارة أو الحصول على وظيفة أو دخول الجامعة، الفكرة الآن هي كيف نهاجر؟ وماهي أبسط السبل؟
لدى الشباب طاقات هائلة كما أن لديهم أحلاما وظروف أهلهم المزرية ، إضافة إلى أن ظروف العيش اليوم لم تعد كما كانت في السابق ومتطلبات الحياة باتت اليوم أصعب من ذي قبل والحال لم يتغير لذلك البيئة خصبة لانتشار ثقافة الهجرة بينهم خصوصا وأن من سبقوهم أخبروهم أن الحياة هناك مختلفة عنها في بلدهم وفرص الحصول على وظيفة جيدة كبيرة في بلدان كأمريكا وكندا، حتى أن مجال الحريات أكبر هناك.. باختصار الظروف شجعتهم على المغادرة والبحث عن حياة أخرى.
ربما لم تحس الحكومة الموريتانية بالواقع الآن، لكن هذا الواقع سيكون له الأثر السلبي لامحالة في قادم السنوات وربما يكون له الأثر الإيجابي إذا حاول الشباب العودة إلى البلد بما جنوه من غربة يقول غالبيتهم أنها قسرية، وربما لن يعودوا لأنه فيما يبدوا أن من تسلق ذلك الجدار وعبر تلك الحدود لا يريد العودة.
أحمد محمد سالم كركوب